لا تؤجلى عمل الخير إلى الغد
بقلم : أمل مبروك
نمضي سنوات طويلة من حياتنا نتعلم في المدارس حكمة :"لاتؤجل عمل اليوم إلى الغد"، لنكتشف لاحقا وحين نخوض غمار الحياة ، أننا نعيش فى مجتمع يحظى ببراءة اختراع جملة :"عدى علينا بكرة" المستشرية بكثافة داخل معظم الدوائر والمؤسسات - ما ظهر منها ومابطن- فمن المستحيل أن نحظى بخدمة سريعة ومتقنة تعي أهمية الوقت كقيمة لابد من احترامها والمحافظة عليها، وبينما تتميز هذه الحكمة بأن غالبية الناس يتفقون عليها وينصحون بها الآخرين، فإن نفس الغالبية لا يعملون بها! وما يقال عن "عمل اليوم" ينطبق على عمل الخير الذى نحتاجه بشدة، ولانقصد به أعمال البر والعطف والإحسان على لفقراء والمحتاجين فقط، بل يحتاجه كل المصريين الراغبين فى أن يلمسوا وجود تغيير ملحوظ للأفضل والأجمل فى كل نواحى الحياة، وهذا التغيير لن يتم إلا إذا تحمس الجميع لبذل الوقت والجهد فى أى مجال يجيده سواء كان يتعلق بعمله وتخصصه أو يبتعد عنه لكنه يستطيع أن يعطى فيه دونما انتظار لمقابل أو مصلحة تعود عليه .
الفيروس الماكر
ولهذا تعتبر المماطلة من أكثر الأمراض الإنسانية انتشارا وواحدة من أكثر العادات مكرا و غدرا. لأنها تجعلك تقومين بمهمة ذات أولوية منخفضة بدلا من أن تنجزى مهمتك ذات الأولوية العالية، أو الميل لتأجيل وأداء المهام و المشروعات وكل شيء حتى الغد عن طريق اختلاق الأعذار، ونظرا لأنه يتم تأجيل كل شيء فإنه لا يتم أداء أى شيء ، وإن تم أداؤه فإنه سيجيء مبتورا وناقصا وغير مكتمل ، مثلا تتناولين كوبا آخر من الشاي بدلا من أن تعودى إلى عملك أو مذاكرتك تحت مبرر أنك محتاجة إلى كوب آخر حتى تستعيدى انتباهك، أو تجلسين لمشاهدة التلفزيون بينما ينبغي عليك الذهاب لإنجاز أحد أهم أنشطتك ويكون مبررك أن هناك متسعا من الوقت لإنجاز ما تريدين فيما بعد "أصل الدنيا ما طارتش"… وعقب ذلك بمدة قصيرة للغاية يبدأ فيروس المماطلة في الانتشار وتكون المحصلة عدم إنجاز أو إتمام أي شيء بالكفاءة والدقة المطلوبتين .
فهل أنتِ ممن يماطلون؟ إذا كنتِ من أولئك الأشخاص الذين يخترعون الأسباب أو يجدون الأعذار لتأجيل العمل ولايعملون إلا تحت ضغوط شديدة ويفشلون فى السيطرة على المشكلات والمعوقات التى تمنع استكمال المهمات الضرورية ويتركون المجال للمواقف السيئة حتى تستفحل بدلا من التصدى للمشكلة في الوقت المناسب، فأنتِ تجيدين المماطلة والتسويف
الخوف من الفشل
الخوف هو أكثر الأعراض وضوحا وأكثرها تكرارا ويساعد على التفشي السريع لفيروس المماطلة وعندما لا ينجز الإنسان عمله أو يقوم بتأجيله يوما بعد أخر فإنه يسعى في واقع الأمر لحماية نفسه وإذا لم يحاول فإنه وبكل وضوح لن يفشل، إلا أنه في الوقت ذاته لن يتمكن من إحراز أي نجاح ويجب ألا يغيب هذا عن بالنا ولو للحظة واحدة، فالفشل في مواقف سابقة لا يعني أننا سوف نفشل مرة أخرى، لأن الحياة تتغير دائما ويجب النظر إلى الأخطاء السابقة كمصادر مهمة لمعلومات في غاية الثراء، وعليه يجب أن نتذكر القول المأثور:" لا خوف ولا خجل من عثرة الحجر" .. إن المخيف والمخجل هو التعثر على الحجر نفسه مرتان .. لأنه عار عليك أن تخدعنى مرة ولكن عار علىّ أن تخدعنى مرتين .
وأسهل طريقة لمعالجة الخوف هو ألا ندعه يتسلل إلينا من الأساس وأن تدركى أهمية وضع الأهداف بطريقة دقيقة متسلسلة ومقسمة إلى أجزاء، مما يجعل عملية إنجازها تسير بأسرع مما تتصورين، والزمن الذي ينبغي أن تستغرقينه كل يوم أو كل أسبوع لتحقيق أهدافك، وتذكرى أنك تمتلكين قدرات تمكنك من تحقيق أهدافك أكثر مما تظنين و تتوقعين . ثم تعاهدى مع نفسك بأنك لن تقومى من مكانك حتى تنتهي من الجزء الذى قررتِ أن تنهيه لهذا اليوم.
وأفضل طريقة للتعامل مع المهام التي تؤجلينها دائما هي أن تبدئى بها فورا، تذكرى أن عمل الخير الذى تقومين به يكمل ما يقوم به غيرك، إن العمل دائما ما يكون جماعيا واى تأخير لفرد يؤخر الباقى ويعطل منظومة العمل ..وأظن أنك لا تقبلين أن تكونى دائما أنت سبب التأخير .. أخيرا لا تترددى وتذكرى عندما جاء يوما إلى الفنان الإيطالى الشهير" جيوفانى بولدينى" أحد تلاميذه من الفنانين الناشئين، وعرض عليه لوحة كان قد اجتهد في إتقانها. فانتقده الأستاذ فى بعض الأمور الصغيرة وطلب منه إصلاحها، فاجاب الفنان الناشئ : حسناً يا أستاذ سأصلحها غداً، فصرخ فيه الأستاذ : ماذا تقول؟ ! واذا متّ في هذه الليلة، ستبقى اللوحة غير كاملة .. فماذا ستترك للبشرية؟
هذه هى أخلاق الناجحين الذين يكرهون التأجيل والمماطلة والتسويف، حتى لا تفوتهم الفرصة السانحة فيتعذر استرجاعها ، وما اكثر الذين خسروا مستقبلاً باهراً لا لشيء إلا لأنهم فوّتوا على أنفسهم فرصة سانحة فضاعت ولم تعد ، وأرجو أن نصبح فى القريب العاجل مثل الناجحين
ساحة النقاش