إشراف : منار السيد - سمر عيد - أميرة إسماعيل - محمد عبدالعال - هدى إسماعيل
أشارت إحدى الدراسات الحديثة حول النمو السكاني أنه من المتوقعأن يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار في عام 2030، وأن يزيد بعد ذلك إلى 9.7 مليار نسمة مع حلول عام 2050، ثم يصل بعد ذلك إلى 11.2 مليار نسمة بحلول عام 2100، وتستند النتائج المذكورة على متغير متوسط التقديرات الذي يفترض انخفاض الخصوبة في البلدان التي لم يزل فيها نمط الأسر الكبيرة سائدا، فضلا عن زيادة طفيفة في معدل الخصوبة في عدد من البلدان التي يكون لكل امرأة فيها طفلان أو أقل في المتوسط، ويُتوقع أن تتحسن احتمالات التعمر في جميع البلدان حيث يعتمد النمو السكاني في المستقبل اعتمادا كبيرا على اتجاه معدل الخصوبة،ووفقا لتقرير التوقعات السكانية العالمية يُتوقع أن تنخفض الخصوبة العالمية إلى 2.2 % في عام 2050.
أوروبا
فبحسب نتائج دراسة لمعهد ماك بلانك للبحوث الديموغرافية الألماني، فإن عدد سكان القارة الأوروبية كلها سيتراجع 50 مليون نسمة بحلول عام 2050،والسبب هو ارتفاع معدلات الشيخوخة في ميزان النمو الديموغرافي مقارنة بمعدلات الإنجاب، ووفق الدراسة نفسهافإن كل جيل سيقل عن سلفه بنسبة 25 في المائة، لذلك تعمل الحكومات على التشجيع على الإنجابإلا أن تغير المزاج العام للسكانومفهومهم للإنجاب يجعل المهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، والخلافات في الرؤى تظهر على الساحة بين حكومات أوروبا في نواح كثيرة، فهناك من يرى ضرورة تشجيع موجات الهجرة بل حتى اللجوء، بينما ترفض أخرى الفكرة من أساسها، وهناك من يسعى إلى رفع سن التقاعد، إلا أن ذلك لا يلقى تأييدا كبيرا من جهات أخرى.
حلول إنسانية
وهذا مايخص الدول الأوروبية ولكن النصف الآخر من العالم يعاني من ارتفاع معدلات النمو السكاني ممايجعلها مشكلة كبيرة تحتاج إلى حلول جذرية، لذلك أشارت بيانات الأمم المتحدة ومركز «بيو» للأبحاث Pew Research Center أن هناك حلولاإنسانية يجب على كل فرد أن يكون لديه الوعي لمواجهة النمو السكاني، ولخص البحث الحلول فيتمكين المرأة،حيث تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي يتمتعن بإمكانية الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية يجدن أنه من الأسهل التخلص من الفقرمن خلال إدارة مشاريع القروض الصغيرة لتحويل النساء والفتيات إلى دعاة للصحة الإنجابية وتعزيز تنظيم الأسرة، حيث يمكن أن يكون لتثقيف الرجال والنساء حول وسائل منع الحمل تأثير كبير، فبعض الدول شهدت جهودا كبيرة في هذا الاتجاه مثل رواندا التي حققت إنجازا كبيرا في زيادة قدرها ثلاثة أضعاف في استخدام وسائل منع الحمل في غضون خمس سنوات فقط، وأيضا أشارت الدراسة إلى ضرورة جعل التعليم مسليا وهذا مايبتكره مركز الإعلام السكاني ومقره الولايات المتحدة للوصول إلى تنمية الوعي لدى النساء، وقد استمع ما يصل إلى 500 مليون شخص في 50 دولة إلى مسلسلاتها الإذاعية والتي تتميز بقصص ثقافية محددة حول قضايا الإنجابفي إثيوبيا،وأفادت 63 في المائة من النساء اللواتي يسعين للحصول على خدمات الصحة الإنجابية بالتزامن مع ذلك، وأكدت الدراسة على ضرورة اتباع الحوافز الحكوميةالإيجابية حيث يعتقد العاملون في مؤسسة "People People Matters" الخيرية في المملكة المتحدة أنه يجب أن تكون الإعانات والحوافز مقتصرة فقط على أول طفلين.
دول شرق آسيا
كما أن هناك بعض التجارب الناجحة لبعض الدول في مواجهة النمو السكاني ومن أمثلة هذه الدول:
إندونيسيا: وقد جاءت أسباب نجاح تنفيذ برامج تنظيم الأسرة في إندونيسيا لوجود نظام مؤسسي مسئول يتابع ويقيم، وقد تم في عام 1999 إنشاء وزارة لشئون المرأة من ضمن مهامها متابعة برنامج تنظيم الأسرة والتمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة ودفعها إلى التعليم والعمل واعتبار ذلك محوراً أساسياً في مواجهة قضية السكان مع الدعمالكامل من جانب رجال الدينوتبنيهم قضية تنظيم الأسرة وإشراك الأزواج بمسئولية كاملة في تنظيم الأسرة، بالإضافةإلىإعداد المقبلين على الزواج، وإعطاء برامج للإقناع بمزايا الأسرة صغيرة الحجمبمشاركة القطاع الخاص، واللامركزية في تقديم الخدمات والاهتمام بمحو الأمية، والاهتمام بالتعليم بصفة عامة، مع توفير الوسائل الحديثة وإتاحتها في كل المناطق الجغرافية بالجودة المطلوبة والكفاءة العالية،حيث إن شمول التجربة والتركيز على البعد التنموي وإنتهاجها منهج ذات أبعاد متعددة عمل على دمج خدمات تنظيم الأسرة ضمن الخدمات الصحية الأساسية، واستهدف شرائح اجتماعية متنوعة مع الاهتمام بالدراسات والبحوث كبُعد أساسي من أبعاد رسم السياسات السكانية، والعمل على التثقيف السكاني للشبابخاصة في مجال الصحة الإنجابية والثقافة الجنسية، الأمر الذي ساهم في خلق الاتجاهات الإيجابية لدى الشباب تجاه القضية السكانية وتفعيل دور المنظمات الحكومية وغير الحكومية في إطار منظومة عمل متكاملة عملت على مخاطبة الشباب في مراحل التعليم المختلفةبهدف فهم وجهات نظرهم كخطوة أساسية لتعديل اتجاهاتهم وتثقيفهم وخلق إرادة فاعلة لديهم في مواجهة المشكلة السكانية.
وفي كوريا الجنوبية كان الرئيس "بارك شونغ هي" شديد الإيمان بأهمية تنظيم الأسرة، فأسس فور توليه الرئاسة مجلس التعمير الوطني الذي تولى وضع خطة اقتصادية تربط بين قضايا السكان والتنمية، وكانت تايلاند من أوائل الدول بالعالم التي تخصص مادة بالدستور للسكان عام 1974، وتنص على تبني الدولة سياسة سكانية تتماشى مع حجم الموارد الطبيعيةوالسياق الاقتصادي والاجتماعيوالموقف التكنولوجي لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وضمان أمن واستقرار الدولة، حيث إنه يعتبر استخدام الحوافز الإيجابية والسلبية للتأثير على قرارات الأفراد الإنجابية أحد أهم الخصائص البارزة للبرامج السكانية في دول شرق وجنوب شرق آسيا بشكل عام بما فيها الصين والهند، حيث قدمت كوريا الجنوبية في الثمانينيات إعانات مالية للطفل الأول وإعفائه من الرسوم الدراسية وإعفاء الأم من تكاليف الخدمات العلاجية أثناء الحمل والولادة، ومنح الأسرة خصما ضريبيا على دخلها السنوي إذا وافق أحد الزوجين على التعقيم بعد الطفل الأول، وألغت سنغافورة إجازة الوضع بدءا من الطفل الثالث، وإلغاء تكاليف العلاج والولادة إذا قبلت الزوجة بالتعقيم، ومنح أولوية التسجيل بالمدارس وحجز الإسكان العام للأسر التي أجريت التعقيم بعد الطفل الثاني.
الصين
أما عن تجربة الصين فهي الأكثر نجاحا ففي عام 1953، أجرت الصين أول تعداد سكاني لها بعدما تأكدت أن الزيادة السكانية أضحت مشكلة كبيرة لها، وأيقنت الصين أن التنمية الاقتصادية وحدهالن تكفى لتحقيق التقدم وهناك حاجة ماسة لتراجع معدلات الزيادة السكانية ولابد من علاج تلك المشكلة، فبدأت حملات بالدعاية لوسائل منع الحمل لخفض الزيادة السكانية، وفي عام 1956 أعلن الاتحاد الديمقراطى للنساء الصينيات عزمه تنفيذ حملة كبيرة لتحديد النسلبعد أن صرح نائب رئيس الوزراء الصينى قائلا: إنالاستمرار فى إنجاب الأطفال بدون حساب أصبح أمرا غير مقبول، وقامت الصين بـ4 حملات توعية من 1965 وحتى عام 1971 تحمل شعار "أجل..طول..قلل"، واستهدفت تأجيل الزواج ليكون في أواخر العشرينات، وزيادة المدة بين إنجاب الأطفال، وإنجاب عدد قليل من الأطفال في طفلين للأسرة، ولكن بعد فترة اعتبرت الصين أن تلك الحملة لم تؤت بثمارها المطلوبةودشنت حملة أخرى للمطالبة بإنجاب طفل واحد، بالإضافةإلى إصدار قانون تنظيم الأسرة في 2001، وجاءت ثماره في 2008، ونتيجة لتلك القوانين تراجع معدل الزيادة السكانية إلى 0.5% في عام 2008، وارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 71 عاماً للذكور و75 عاماً للإناث عام 2008.
وأدى انخفاض معدل الخصوبة والوفيات في دول شرق آسيا إلى انخفاض معدل الإعالة من حوالي 90% في الستينيات إلى نحو 45% في المتوسط في التسعينيات، ومن ثم ارتفعت نسبة السكان في سن العمل من حوالي 50% إلى 70% خلال نفس الفترة.
ساحة النقاش