لحين تنفيذ خطة التطوير القطار اشتكىمن كتر الدم على جبينه

كتبت :منار السيد

"مش باقي منى غير شوية لحم فى كتافى… بلاش يتبعتروا فى البحر ..مش باقى منى غير شوية لحم فى كتافى ..بلاش يتحرقوا فى قطر الصعيد فى العيد ..." هو دا حالك يا قطارمصر!! 52 طفلا سالت دماؤهم على قضبان السكة الحديد مؤخرا، ويقولون أن السبب هو العامل الذى لم يغلق المزلقان أوالقضبان المتهالكة ولم تعد صالحة .. ..وبين هذا وذاك لانريد أن تضيع الحقيقة !

فهناك أسباب ومبررات نسمعها بشكل يومي لانقاذ ماء الوجه ولكن إلى متى سنترك الدماء تسيل على القضبان وخاصة أننا نعرف أن المشكلة دائما تتمثل في المزلقان ، أين الأزمة وأين الحل؟ هل لدينا آلية للتطوير ؟ ولو أن لدينا لماذا لم تنفذ ؟ هل هي مشكلة آليات أم عقول ؟ أسئلة طرحناها وقررنا أن نعرف السبب وراء أزمة حوادث القطارات وخاصة في مناطق المزلقانات ؟ وما الحل ؟ لذلك توجهنا إلى هيئة سكك حديد مصر لمعرفة "حكاية المزلقان"....

يبدأ المهندس يحيى محمد عبد العظيم- رئيس الإدارة المركزية لهندسة السكة قسم - بنية أساسية - حديثه قائلا : تحتوي شبكة سكك حديد مصر على حوالي 1332 مزلقانا والمزلقان هو فصل التقاطع السطحي لخطوط السكك الحديدية مع الطرق ذات الكثافة المرورية العالية ،وهناك مزلقانات تعمل بالطريقة اليدوية أو ما يسمى "بالنظام الميكانيكي "وهو النظام الذي يستخدم منذ إنشاء خطط سكك الحديد كمزلقان حادث أتوبيس الأطفال بالمندرة حيث أن هذه المزلقانات تعتمد على العامل البشري وهي للأسف طريقة بدائية للغاية حيث يتم العمل بها كالآتي :

يتصل محافظ البلوك بالغفير أو عامل المزلقان للمحطة التي تليه مرة للتأكد من تواجده في المكان وعدم مغادرته وهذه المرة تكون قبل مرور القطار من محطة محافظ البلوك بفترة والمرة الثانية تكون قبل دخول القطار للمحطة حيث يتصل محافظ البلوك لإبلاغه بغلق المزلقان لأن القطار في طريقه للمرور، وفي هذه الحالة يستجيب العامل ويغلق المزلقان أما إذا لم يجب العامل على الاتصال ففورا يبلغ محافظ البلوك هيئة المراقبة لإصدار قرار فوري بحجز القطار قبل عبوره على المزلقان الذي يتغيب فيه العامل، هذا هو القانون المنصوص عليه حيث يتعرض العامل لجزاءات مشددة ولعقاب فوري إذا لم يتواجد بمحل عمله، لذلك هناك لجان رقابية مشددة على عمال المزلقانات ليلا ونهارا.

النظام الميكانيكي

وهنا طرحت تساؤلا حول أسباب حدوث كوارث بالرغم من اللجان الرقابية الليلية والنهارية؟..فأجاب المهندس يحي قائلا: هناك أسباب عديدة لحدوث الحوادث

أولا: لأننا مازلنا نعتمد في الكثير من المزلقانات على هذا النظام الميكانيكي اليدوي البدائي المعتمد على العنصر البشري ولم نفترض أبدا أن هذا العامل قد يتعرض لأي مانع يجعله غير مؤهل لغلق المزلقان فقد يصاب بإغماء أو يتوفى مثلا، وللأسف حتى إمكانية توفير عمال آخرين تحسبا لحدوث أي مانع أو عائق لهذا العامل شبه مستحيلة لأننا نعاني من عجز عمالة بشرية تصل إلى 1500 عامل بهيئة سكك حديد مصر، وعندما طلبنا عمالة قوبلنا بعدم وجود فرصة لتعينات جديدة وعلينا الاكتفاء بما لدينا.

أما الأمر الآخر هو الأكثر خطورة وهي الضمير الإنساني والمهني لأن هناك اعترافا كاملا أن هناك تقصيرا، فعدم قيام بعض الأشخاص بعملهم على أكمل وجه لن تحدث الحوادث، لأنه إذا تأكد محافظ البلوك من عدم وجود العامل فقد حجز القطار، في حين أنه إذا التزم سائق الأتوبيس بتعليمات القانون المروري التي تنص على الوقوف ولو لبرهة قبل المرور عبر المزلقان حتى ولو كان مغلقا للتأكد من عدم حدوث أي أمر استثنائي كان لما وقعت الحادثة وغيرها من الحوادث، ولكنني أؤكد أننا نعاني الكثير من المشاكل الفنية ومشاكل أكبر في سلوكياتنا المتمثلة في عدم التزامنا بالإرشادات أو القوانين.

العقبات

أما عن آلية التطوير التي تحاول هيئة السكك الحديدية تطبيقها فيحدثنا عنها م. يحيي قائلا:تعاقدنا في شهر أكتوبر لعام 2010 على خطة تطوير ل 345 مزلقانا بشكل مبدئي وتم اختيار هذه المزلقانات كمرحلة أولى على أساس الكثافة المرورية على هذه المزلقانات، وكانت المدة الزمنية المتفق عليها هي 18 شهرا، ولكن بمجرد محاولة البدء في خطة التطوير اصطدمنا بالعديد من العوائق والعقبات المتمثلة في عدم وجود تعاون بين الوزارات والهيئات الآخرى، لأننا بعد البحث الميداني رصدنا العديد من التعديات على هذه المزلقانات فطلبنا في البداية من كل جهة مسئولة عن التعدي مساعدتنا لإزالته ولم يحدث أي استجابة، حيث وجدنا - بعد الرصد- بناء عشوائياً على جانبي المزلقان بالإضافة إلى الأسواق وهو المشهد المتكرر تقريبا في جميع محافظات مصر على المزلقان، فتوجهنا لوزارة التنمية المحلية لأن المحليات هي المسئولة عن إزالة هذه التعديات ولكن لم نجد استجابة ، وأيضا رصدنا عددا من الكابلات الاستراتيجية الخاصة بالقوات المسلحة وطلبنا منهم نقله ولكن دون جدوى، وهو نفس الحال مع وزارة الأوقاف المسئولة عن بناء المساجد على جانبي المزلقان، لنأتي إلى مشكلة تغطية الترع أو تعلية وتوسيع الكباري لأن خطة التطوير تشمل توسيع المزلقان من 6 أمتار ليصبح 20 مترا ويقسم على حارتين تفصلهم جزيرة في الوسط ويتم أعمال الرصف بأجود الأنواع، فتوجهنا لوزارة الري لمشكلة الترع والكباري ولكن للأسف أيضا دون جدوى.

نظم الحماية

لذلك تم تأجيل 100 مزلقان لاستحالة التطوير فيهم دون إزالة العوائق، وبعدها تم استلام 149 مزلقانا من خطة التطوير والتي شملت بهم الأعمال المدنية من رصف وإقامة سور حول المزلقان وإنشاء غرفة حديثة للعامل بها دورة مياه وتم تنفيذ نظم الحماية والتشيغل وأجهزة اتصال وتحكم حديثة لعدد 25 مزلقانا منهم حتى الآن، على أن يتم استكمال تركيب باقي الأجهزة في هذه المزلقانات في ديسمبر 2013 وسيتم استلام 96 مزلقانا آخرين من خطة التطوير أيضا في 2013، لتتواجد هذه المزلقانات المطورة في شمال الصعيد بعدد 11 مزلقانا ووسط الدلتا 25 مزلقانا ،غرب الدلتا 16 مزلقانا، شرق الدلتا 20 مزلقانا، المركزية 19 مزلقانا، شمال الدلتا 19 مزلقانا، الوسطى 26 مزلقانا و الجنوبية 13 مزلقانا.

الكثافة المرورية

وعن المزلقانات التي لم يشملها التطوير فيقول: ننفذ حاليا خطة آخرى لتشغيل 665 مزلقانا خارج خط التطوير، حيث أننا سنستخدم الأجراس والأنوار على مسافات متباعدة للتحذير من اقتراب القطار بشكل مبدئي حتى يتم تعميم خطة التطوير التي نسعى على إتمام الأمر دون تدخل العنصر البشري مطلقا.

وهناك مايقرب من 30 مزلقانا رصدتهم لنا الهيئة الاستشارية والمتمثلة في مركز بحوث ودراسات الهندسة المدنية بكلية الهندسنة - جامعة القاهرة، حيث إن هذه المزلقانات تمثل خطورة عالية بسبب الكثافة المرورية العالية خاصة مع تواجدها داخل المدينة نفسها أو القرية بالإضافة إلى زمن التقاطر القريب جدا في هذه المنطقة ليمر القطار هناك كل 10 دقائق مثلا مما يدعي غلق هذه المزلقانات نهائيا، وفي نفس الوقت يصعب تنفيذ هذا الأمر لأنه يعد طريقا رئيسيا في المنطقة لذلك تم اللجوء لإنشاء أعمال صناعية متمثلة في الكباري العليا للمشاة والأنفاق المرورية، وبالفعل تم تنفيذ هذه الأعمال في حوالي 5 أماكن منهم المطاحن بالقاهرة بردين بالزقازيق، المدارس ببني سويف، والبياضية بالأقصر ولكنه بالرغم من إنشاء هذه الكباري ولكن لم تغلق المزلقانات خاصة في منطقة البياضية وعندما لجأنا للمحافظة والمحليات بصدور أمر باغلاق المزلقان، تم إرسال الأمن لفتح المزلقان بعد ضغط الأهالي.

وللأسف بالرغم من هذه المحاولات فإن المشكلة ليست في آلية التطور ولكن في مدى تقبل المواطن لفكرة التطوير والالتزام بالقانون والإرشادات.

ما لنا وما علينا

وإذا كنا نمتلك الفكر والآلية ومازلنا نعاني من أزمة في الإدارة أو التنفيذ أو التعامل مع مشاكلنا فما الحل، وما السبب فيما وصلنا إليه الآن ؟! كان هذا سؤالي للأستاذ الدكتور فخري الطهطاوي - أستاذ إدارة الأزمات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة - حيث أجاب قائلا: نحن نعاني من أزمة حقيقية تتبلور في كيفية تطبيق مقولة "ما لنا وما علينا" وأعتقد أننا لو أدركنا قيمة ما يجب علينا فعله من أجلنا فلن نرى ما نحن نراه الآن، فقد تكون الثورة غيرت نظاما ولكنها لم تغير العقول والأشخاص، فالموظف مازال يذهب نائما لينتظر حالما في مكتبه لموعد الانصراف ويؤجل عمل المواطنين والبيروقراطية لم تتغير، بل زاد الأمر سوءا.

وبالنسبة للفاجعة التي التهمت ملائكة مصر وهم 52 طفلا ولم يصب إلا الثمانية عشرة فقط بجروح معها أصيبوا بأزمات نفسية تحتاج لعلاج على المدي الطويل لمحو آثار الفاجعة من ذاكرتهم ، وهو ما يسمى في علم النفس بالصدمة بعد الأزمة، وإذا كنا نتحدث عن كيفية إدارة الأزمة فيجب أولا تخصيص معالجين نفسيين لهؤلاء الأطفال وأسر الشهداء لإعادة تأهيلهم نفسيا بدلا من الحديث عن تعويضات مادية وغيرها ،وبالرغم من ذلك فإنني أرى أن من كان يركب أتوبيس الموت والذي حمل رقم "2032 أتوبيس مدارس أسيوط " ليس فقط ال65 طفلا بل "مصر" ومن دهسها هو قطار الجهل والتخلف والفساد، فبالرغم من اندلاع الثورة لكن مازال يحكمنا النهج القديم بسياسته وبجميع أساليبه، فتم قصر مفهوم الديمقراطية والحرية في صندوق الانتخابات، ولم تطبق الحرية كما ينبغي.

المصدر: مجلة حواء -منار السيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 623 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,461,222

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز