دور الحاكم فى توحيد أمته

كتبت :أمل مبروك

التوحد هو أصل الأُمَّة البشرية وأشار إليه القرآن في أكثر من موضع فقال تعالي: «وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا»، وهذا التفرق بعد التوحد جزء من الابتلاء العظيم النابع من حرية الاختيار التي منحها الله تعالى امتحاناً للإنسان وابتلاءً له

- في ظل المتغيرات التي يشهدها المجتمع المصرى من تكتلات و تحالفات واختلافات عديدة فى وجهات النظر ، فإن هذا يدعونى للتساؤل : هل يوجد فى شريعتنا مايساعدنا على توحيد صفوف المصريين مرة أخري؟ وما هو دور الحاكم أو المسئولين فى تحقيق هذا الهدف ؟

راندة محمد بسيونى - محاسبة

 

- يوضح فضيلة د. عبد الله النجار - عضو مجمع البحوث الإسلامية - أن ما تعيشه أمتنا اليوم من تفكك و تشرذم يشبه - إلي حد بعيد- حالات عاشتها من قبل، تقطعت فيها الراية الواحدة إلي عدة رايات.. يقاتل بعضها بعضا، وتمزق فيها الشعب الواحد ، لذا لا يكاد يختلف اثنان علي أن الوحدة هي السبيل الأمثل - إن لم نقل الأوحد- لتجاوز تحديات المرحلة، و العودة بالدولة المصرية إلي موقعها المعهود ، ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الهدف منوط بهمة الشرفاء الغيورين لانتشال مجتمعهم من براثن الصراعات الطائفية والسياسية ، و لكن دروس التاريخ، و بالأخص المعاصر منه، تثبت أن الوحدة غير قاصرة على السياسيين و المثقفين، وتشترك فيها القاعدة الجماهيرية صاحبة المصلحة الأولى في الوحدة، مع عدم غياب علماء الاقتصاد والاجتماع و خبراء التعليم عن الدعوة للوحدة، و هم من يقع على عاتقهم وضع أسس أية وحدة. كما يرى المحللون انه إذا لم ترتبط الوحدة بمشاريع اجتماعية ملموسة، و إذا لم ترتبط الوحـدة بالخبز اليومي، وبتوزيع متعادل للثروات، والسُّلطات، و إذا لم ترتبط برفع مستوى حياة المواطن، فهي مجرد شعار استهلاكي ووصولي .

وإذا عدنا إلى تاريخ أمتنا الإسلامية سنجد أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- هو الذي حول قبائل العرب المتناحرة فيما بينها إلى خير أمة أخرجت للناس، و بعثها بعثا جديدا أقرب ما يكون إلى المعجزة، فحملت لواء الحضارة الإنسانية و مشت في طليعة الركب البشري لقرون عدة. كانت الحياة العربية قبل الإسلام تقوم أساساً على العصبيات والقبليات، و من هنا كان الانقلاب الذي أحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عميقاً في حياة الجزيرة العربية؛ إذ استطاع بسياسته التي تُمليها روح الإسلام أن يحول هذه الوحدات القبلية المستقلة، و يرتقي بها لتظهر في إطار الأمة الإسلامية، أمة لا فضل فيها لعربي علي أعجمي، أو لأبيض علي أسود إلا بالتقوي .

دستور المدينة

- ولكن كيف حول رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أمة العرب من قبائل متناحرة إلي أمة محترمة ؟ - يشير فضيلة د. أحمد عمر هاشم - أستاذ التاريخ الإسلامى وعضو مجمع البحوث الإسلامية - إلى أن هذا حدث بالإيمان الواسع العميق، و التعليم النبوي المتقن، و بشخصيته الفذة وعدالته فى التعامل مع جميع الناس من خلال هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا تنقضي عجائبه، اتجه رسول الله -محمد صلى الله عليه- وسلم إلي الذخائر البشرية و هي أكداس من المواد الخام التى لم يعرف أحد مكامنها، و قد أضاعتها الجاهلية و الكفر ، فأوجد فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة، و بعث فيها روحا جديدة، واستفاد من مواهبها، ثم وضع كل شخص في محله فكأنما خلق له، و كأنما كان المكان شاغراً لم يزل ينتظره و يتطلع إليه .

ثم كان أَبْرَز أساس قام عليه المجتمع الإسلامي الأول في المدينة كنموذج مصغر لوحدة الإنسانية هو وضع دستور المدينة الذي كان محتواه توحيد الأُمَّة المسلمة، مع الاعتراف بحقوق الأقليات اليهودية، وتوفير سبل الأمن لها، بل وإعطائها كافة سبل الحرية الدعوية، بشكل يحفظ سيادة الدولة والنظام .

ثم مبدأ الأخوة الإسلامية بين المهاجرين والأنصار علي الحق والمساواة، وعلي أنْ يتوارثوا بينهم بعد الممات، لقد بلغ هذا الترابط قمته حتي أخذ موقع الرحم ورابط القرابة، ولم يكن مجرد شعار يرفع، بل كان واقعاً عملياً، كان قد تحقّق به تكافل اجتماعي منقطع النظير، فالمهاجرون مُعْدَمون بعد أن تركوا أموالهم في مكة فراراً بدين الله تعالى، وهم ليسوا أصحاب زراعة كأهل المدينة، فأصبحوا طلاب علمٍ وحافظين للدين مجده في ساحتيْ العلم والجهاد ، ولقد مدح الله تعالي الأنصار وجعل ذكرهم قرآناً يتلى ويؤجر قارئه ومتدبره: «وَيُؤْثِرُوُنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة» ، فأيّ قيم أكثر من هذه تُشْعِرُ بوحدة القلوب والأبدان؟

ولكن لحكمة يعلمها الله تعالى؛ فإنَّ الطابع البشري له معاييره النفسية المتغايرة التكييف والأمزجة والدوافع والرغبات، وعند البحث في سبب تفرّق وتمزّق كيان الأُمَّة تجد أنها العصبية التي نهى عنها النبي -صلي الله عليه وسلم- والأطماع، والشهوات، والتنازع على الملك والسلطان، وضياع الشوري، وفساد الحكم وقيام الظلم، وفي مقابل ذلك التقاعس، والكسل، والنفاق، والخيانة بكافة أنواعها.. وهلم جرا. كانت كلها أسباباً كفيلةً بتدمير أي بنية تحتية لكيان الأُمَّة الواحدة .

لذا عند دراسة شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- كقائد أممي وموحد، وكيف تغلب على المعوقات، فإنه -صلى الله عليه وسلم- عمل بمبدأ " (لا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا) وليت الحاكم ومن معه من مسئولين يقتدون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى تطبيق تلك المبادئ والأسس وهى ليست صعبة أو بعيدة المنال.

المصدر: مجلة حواء -امل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 578 مشاهدة
نشرت فى 22 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,678,446

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز